♠ ♠ ♠ القِصَّةُ القَصِيرَةْ ♠ ♠ ♠
♠ ♠ المَدِينَة المُنَوَّرَةْ ♠ ♠
♠ ♠ لَمَّا بَلَغَتْ الرَّابِعَةَ عَشَرَة مِنْ العُمْرِ ، فُقِدَتْ الأُمُّ ، وَلَمْ تَمْضِي شُهُورٌ إِلَّا وَقْدٌ فَقَدْتْ أيضاً الأَبَ الذى يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ الحَيَاةَ بِدُونِ شَرِيكَةِ حَيَاتِةِ ، أخَذَهَا عَمُّهَا الوَحِيدْ لِتَعِيشَ مَعَهُ ، وَهُوَ أَبٌ لِعَدَدٍ أَرْبَعَةٌ بَنَاتٌ وَلَهِ زَوْجَةٌ ، عَرَفْتْ مُنْذُ دُخُولِهَا إِلَى البَيْتِ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَنَّهَا سَوْفَ تَكُونُ خَادِمَةً فِي البَيْتِ ، وَمَعَ ذَلِكَ سَلَّمَتْ أَمْرَهَا إِلَى اللهِ وَحَمِدَتْ اللهَ عَلَى وُجُودِ بَيْتٍ يَسْتُرُهَا وَجَدِّرَانِّ تَأْوِيهَا ، وهنا تركت المدرسة والدراسة ، وظَلَّتْ تَسْتَيْقِظُ مُبَكِّرَةً لِصَلَاةِ الفَجْرِ وَلِخِدْمَةِ العَمِّ وَزَوْجَتِهِ وَبُنَاتِهِ ، حَتَّى مَرَّتْ الأَيَّامُ ثم َطَرْقُ بَابِ البَيْتِ رَجُلَاْ فِي الخَمْسِينَ مِنْ العُمْرِ يُرِيدُ زَوْجَةٌ ، بِدُونِ أن يكلفها شىء إِلَّا مَا عَلَيْهَا مِنْ ثِيَابٍ ، فَرَّحَ الأَبَ وَأَعْطَاهُ طَبْعَاً اليَتِيمَةَ الَّتِي عِنْدَهِ كَانَتْ لَا تسطيع أَنْ يَكُونَ لَهَا رَأْيٌ وَسَلَّمَتْ أَمْرَهَا إِلَى اللهِ ، ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِهِ فَإِذَا هُوَ رَجُلُ "سَادِّي" دَائِمٌ السُّكَّرِ وَلَا يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يُشْبِعَهَا ضُرِباً حَتَّى يَشْعُرُ بِالرَّاحَةِ وَيَأْتِيهَا ، حَتَّى يَوْمِ زِفَافِهَا أُشْبِعُهَا ضُرِباً ، قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أُنُوثَتَهَا ، وَظَلَّتْ هَكَذَا فهي لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَا صَدْرًا لَهَا تَشْكُو لَهُ مَا تَعِيشُهُ مِنْ عَذَابٍ ، وَلِلمَرَّةِ الثَّالِثَةِ سَلَّمَتْ أَمْرَهَا لِلهِ فاليس بِاليَدِ حِيلَةٌ ، وَاِسْتَمَرَّتْ حَيَاتُهَا هَكَذَا ، وَحَمَلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِوَلَدٍ ثُمَّ بِأُخَرَ ثُمَّ بِبِنْتَ ، وَكَانَ الرجل رَغْمَ كِبَرِ سَنَةٍ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الخَمْرِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَلَا عَنْ ضَرْبِهَا ، وَحتى عِنْدَمَا كِبَرَ الأَبْنَاءُ وَفَّى اللَّيْلَ يَسْمَعُوا صُرَاخَهَا مِنْ الضَّرْبِ رَغْمَ حِرْصِهَا عَلَى عَدَمٍ عَلَّوْا صَوْتَهَا إِلَّا عِنْدَمَا يَشْتَدُّ بِهَا الضَّرْبُ ، كَانَ الأَوْلَادُ تُسَرِّعُ إِلَيْهَا وهى مُمَزَّقَةٌ الثِّيَابُ عَارِيَةً وَهُوَ يَضْرِبُهَا فَتَأْخُذُهُمْ فِي أَحْضَانِهَا وَتَقُولُ لَهُمْ لَا تَخَافُوا ، وَاِسْتَمَرَّتْ بِهَا الأَيَّامُ ، وَفَى لَيْلَةٌ جَاءَ وَرَائِحَةُ الخَمْرِ تَفُوحُ مِنْهُ وَدَخَلَتْ هي الغُرْفَةَ ورائهِ لِتَأْخُذَ مَا اِعْتَادَ عَلَيْهِ مَعَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ ضَرْبِ وإهانه ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ ، فقَامَتْ بِتَغَيُّرِ مَلَابِسِهِ ، وَظَلَّتْ طِوَالَ اللَّيْلِ تَقْرَأُ القِرَانَ حَتَّى الصَّبَاحِ ، حَيْثُ أَبْلَغَتْ أَهْلَهُ الَّذَيْنِ جاءوا وَدَفَنُوهُ ، وتم إنهاء إجراءت المعاش له وبه قد تحقق ضماناً لحياة كريمة لها وللأولاد ، وَظَلَّتْ تُرَبِّي أَبْنَاءَهَا حَتَّى تَخَرَّجَ الكَبِيرُ مِنْ كُلِّيَّةِ الهَنْدَسَةِ وَاِلْتَحَقَ ضَابِطٌ بِالقُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ ، ثُمَّ تَخَرَّجَ الثَّانِي مِنْ كُلِّيَّةِ الطِّبِّ ، والإبنه مِنْ كُلِّيَّةِ التِّجَارَةِ وَتَزَوَّجَتْ مِنْ مُعِيدِ فِي الكُلِّيَّةِ ، وَقَامَ الأَبْنَاءُ بُشَرَاءَ قطعة أَرْضً فِي منطقة النُّزْهَةُ الجَدِيدَةَ فِي القَاهِرَةِ ، وَشيدوْا عَلَيْهَا بَيْتًاً مِنْ أَرْبَعَةً أَدَوَّارٌ ، وجَعَلُوا الدُّورَ الأَوَّلَ لِلأُمِّ حَتَّى يُمِرَّ عَلَيْهَا كُلًّ مَنْ يَدْخُلُ البَيْتَ ، وَالدَّوْرُ الثَّانِي لِلطَّبِيبِ وَالثَّالِثِ لِلاخت ، وَالرَّابِعِ لِلمُهَنْدِسِ وَكَانَتْ الاِبْنَةُ وَالزَّوْجَتَانِ عِنْدَمَا يَأْتُين مِنْ أَعْمَالِهُنَّ يَدْخُلُون عَلَيْهَا ، وَيَعْدُوَن الطَّعَامُ وَيَأْكُلُ الجَمِيعَ مَعَهَا عِنْدَمَا يَأتي الأَبْنَاءُ من أعمالهم ، وَعَمَّ النَّعِيمُ الجميع حَيْثُ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهُمْ بِالمَالِ وَالبَنِينَ ، ثُمَّ قَرَّرَ الأَبْنَاءُ الحَجَّ هُمْ وَأَبْنَائِهُمْ وَقَبْلَ الجَمِيعِ أُمُّهُمْ ، الَّتِي عَانَتْ مِنْ الأَيَّامِ وَهْمَ شُهُودٍ عَلَى مُعَانَاتِهَا وَذَهَبُوا إِلَى مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ ، وَبَعْدَ الطواف وَاِلْسَعِي وَالوُقُوفُ بِعَرَفَاتَ وَرَمِي الجمار فِي مُنَى ، ذَهَبُوا إِلَى المَدِينَة المُنَوَّرَةِ ، للصلاة في مسجده ﷺ وزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وبعدها عَادُوا إِلَى الفندق ، وَنَامَتْ الأُمُّ وَلَمْ تَسْتَيْقِظْ فَقَدْ ذَهَبَتْ بَعْدَ حَيَاةٍ حَافِلَةِ إِلَى رَبُّ كَرِيمَ في مدينة رسوله الكريم ﷺ ، فقَامَ الأَبْنَاءُ بدفتها فِي البقيع مَعَ زوجات وصحابة رَسُولَ اللهِ ﷺ ، وَعَادُوا إِلَى مِصْرَ بِلَا قُلُوبٍ فهي كانت قلوبهم رحمة الله عليها ، عوَاشُوا فِي مِصْرَ وَقُلُوبِهِمْ هُنَاكَ عِنْدَ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وَظَلُّوا كُلَّ عَامٍ يَقُومُونَ بِزِيَارَةِ المَدِينَة المُنَوَّرَةِ لِتَجْتَمِعَ أَجْسَادُهُمْ مَعَ قُلُوبِهُمْ فكأنهم كرجل فقط ظله ولا يجتمع جسده مع ظلة إلا عند بقيع رسول الله ﷺ.
♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى