بحث ودراسة د/ شمس ابراهيم طلعت
رئيس مجلس ادارة مجلة الوعى الفكرى
فى البدايه من هم الوهابيه
جاءت تسمية "الوهابية" بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها الإمام محمد بن عبد الوهاب، والتسمية بحدّ ذاتها يرفضها أتباعها لاعتقادهم بأنها دعوة إسلامية، وأن ابن عبد الوهاب لم يبتدع مذهبًا جديدًا في الإسلام لكنه كان يدعو إلى ما كان عليه الصحابة والأئمة الأربعة من اتباع القرآن وسنة رسول الله؛ لذا فإنهم يفضلون تسميتهم بالدعوة "السلفية" نسبة للسلف الصالح، أو اسم "أهل السنة والجماعة" باعتبارهم من وجهة نظرهم مصطلح أهل السنة والجماعة كمصطلح تاريخي له أهميته تتمسك به الصوفية وأصحاب المذاهب السنية ، وتجده حتى في أدبيات الفرق الكلامية من أشاعرة وماتريدية مما يجعله مصطلحاً خلافياً. يقول الشيخ:" عقيدتي وديني الذي أدين الله به، هو مذهب أهل السنة والجماعة، الذي أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة" ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن -رحمهُ الله-:"قد عرف واشتهر واستفاض من تقارير الشيخ ومراسلاته ومصنفاته المسموعة والمقروءة عليه وما ثبت بخطه وعرف واشتهر من أمره ودعوته وما عليه الفضلاء والنبلاء من أصحابه وتلاميذه: أنه كان على ماكان عليه السلف الصالح وأئمة الدين أهل الفقه والفتوى". وأصل هذه التسمية إنما أطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب على الشيخ وأتباعه لتنفير عموم المسلمين منهم، والطعن عليهم بمخالفتهم الأئمة الأربعة والمذاهب الفقهية المشهورة، على الرغم من أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تحفظ للأئمة الأربعة قدرهم وتعرف لهم منزلتهم. ويقول :"فتأمل -رحمك الله- ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وما عليه الأئمة المقتدى بهم من أهل الحديث والفقهاء كأبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين لكي نتبع آثارها". ويقول أيضاً:"وأما ماذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى". كما أن الشيخ يصرح بأنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ينكر على أتباع المذاهب الأخرى مالم يخالف مذهبهم الكتاب والسنة. ويقول:"وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها".ويقول أيضاً:"وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا فنعمل بما وافق النص منها وما لا يوافق النص لا نعمل به". كما أن أتباع الشيخ لم يدع أحد منهم مرتبة الاجتهاد المطلق لا للشيخ محمد ولا لغيره من تلاميذه وأتباعه. يقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب:" لا نستحق مرتبة الجهاد المطلق، ولا أحد منا يدعيها، إلا أنّا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه، وقال به أحد الأئمة الأربعة، أخذنا به، وتركنا المذهب الحنبلي". ونظراً لما سبق فإن كثيراً من علماء الدعوة وأتباع الشيخ لا يعبرون عن أنفسهم بهذا اللقب ولا يرتضون إطلاقه عليهم، لكن فيما بعد أصبح بعض علماء الدعوة وأنصارها لا يتحاشون استعمال لقب (الوهابية). ولهذا يقول مسعود الندوي في كتابه (محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم):"وعلى كل حال فنظراً إلى تلك المحاولات التي بُذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة بهذا الاسم منتقد أشد الانتقاد ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء فلا أرى حرجاً في هذه التسمية". لكن مصطلح وهابية يبقى مستخدما بشكل كبير من قبل معارضيهم الذين يرفضون نسبتهم إلى "السلف" وبالتالي يجدون في نسبتهم لابن عبد الوهاب الطريقة الفُضلى لتمييزهم في وسائل الإعلام المعادية للسعودية كما أن الكثير من المؤلفين العرب يستخدمون المصطلح أيضا للتعبير عن الفكر أو المدرسة الإسلامية السنية السلفية المنتشرة في المملكة العربية السعودية والخليج العربي بشكل عام. كما يستخدم مصطلح وهابية كذلك للإشارة إلى النظام السعودي السني السلفي الحاكم بالشريعة الإسلامية أو النموذج السلفي للدولة السعودية تذكر بعض المصادر أن مصطلح الوهابية أطلق سابقا على فرقة خارجية أباضية ظهرت في القرن الثاني الهجري والتي قامت في المغرب على يد عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي.
أفكار وأدبيات الدعوة الوهابية
ألف الشيخ محمد بن عبد الوهاب عدداً من الكتب والرسائل وضح فيها دعوته وبين معتقده – ولا شك أن أولى ما يمكن الاعتماد عليه كلامه هو لا كلام غيره عنه -، ومن ذلك ما ذكرته في رسالته إلى أهل القصيم لما سألوه عن معتقده. حيث قال: " أُشْهِدُ الله ومن حضرني من الملائكة، وأُشهِدُكُم : أني أعتقد ما اعتَقَدَته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، والإِيمان بالقدر خيره وشره. ومن الإِيمان بالله، الإِيمان بما وصف به نفسه في كتابه، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليسَ كمثله شيءٌ وهو السميع البصير . فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أُحرِّف الكلم عن مواضعه، ولا أُلحد في أسمائه وآياته، ولا أُكَيِّف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خَلْقه، فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثًا، فنَزَّه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل، فقال : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ }{ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ }{ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافات : 180 - 182 ] . وأعتقد أن القرآن كلام الله، مُنزل غير مخلوق، منه بدأ وإِليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وأومن بأن الله فعّال لما يريد، ولا يكون شيء إلا بإِرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس شيءٌ في العالم يخرج عن تقديره، ولا يصدر إِلا عن تدبيره، ولا مَحيد لاتحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خطَّ له في اللوح المسطور . وأعتقد الإِيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فأومن بفتنة القبر ونَعيمه، وبإِعادة الأرواحِ إِلى الأجساد، فيقوم اَلناس لرب العالمين حفاةً عَراةً غُرلاَ، تَدنو منهم الشمس، وتنُصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد:{ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }{ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 102 ، 103 ]، وتنشر الدواوين، فآخِذٌ كِتابه بيمينه، وآخِذٌ كتابه بشماله . وأومن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعَرصَة القيامة، ماؤه أشدُّ بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء مَنْ شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا. وأومن بأن الصراط منصوب على شَفير جهنم، يمر به الناس على قدر أعمالهم. وأومن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أول شافع، وأول مُشفَّع، ولا يُنكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إِلا أهل البدع والضلال . لكنها لا تكون إِلا من بعد الإذن والرضى، كما قال تعالى :{ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } [ النجم : 26 ] ، وهو لا يرضى إِلا التوحيد، ولا يأذن إِلا لأهله، وأما المشركون فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال تعالى :{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] . وأومن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا يفنيان. وأن المؤمنين يَرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يُضامون في رؤيته. وأومن بأن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيين والمرسلين، لا يصح إِيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته. وأن أفضل أمته، أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي المرتضى، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم . وأتولَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأذكر محاسنهم، وأترضى عنهم، وأستغفر لهم، وأكف عن مساويهم، وأسكت عما شجر بينهم ، وأعتقد فضلهم ، عملًا بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ الحشر : 10 ] . وأترضَّى عن أمهات المؤمنين المطهرات من كل سوء ، وأُقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إِلا أنهم لا يَستحقون من حق الله تعالى شيئًا ، ولا يُطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله. ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار ، إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن ، وأخاف على المسيء. ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام. وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة ، والجهاد ماض منذ بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأئمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل . وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين ، برهم وفاجرهم ، ما لم يأمروا بمعصية الله . ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به ، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعتهم، وحرم الخروج عليهم . وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة. وأعتقد أن الإِيمان قولٌ باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ، وهو بضع وسبعون شُعبة ، أعلاها : شهادة لا إِله إِلا الله ، وأدناها إِماطة الأذى عن الطريق. وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة. فهذه عقيدة وجيزة حرَّرتها وأنا مشتغل البال لتطلعوا على ما عندي ، والله على ما نقول وكيل". ويتضح بما سبق أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يبتدع شيئا جديدا في أصول الاعتقاد، بل مشى على خطى الأئمة الأربعة ، واستقى عقيدته ومنهجه منهم ، وهو ـ في ذلك ـ لم يفعل سوى تجديد الدعوة إلى عقيدة هؤلاء الأئمة العظام التي آمنوا بها وجهروا بها. عندما انطلق الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته كان ذلك لنشر الدعوة السلفية وتنقية لعقائد المسلمين مما شابها من الشرك والبدع والخرافات المخالفة لجوهر الإسلام؛ ولذا فقد كان جل تركيز دعوتهم على:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص بمحاربه التوسل والتبرك غير المشروع.
إنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد والموالد البدعية.
أثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكيف ولا تمثيل.
أسباب رفض مصطلح وهابيين
حاولت الحركة إعادة العقيدة الإسلامية إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما عرضها لمصادمة كبيرة مع من حولها ممن يرون صحة ممارساتهم وعباداتهم من القبائل والإمارات والأعراب، إلا ان قائد هذه الحركة الإصلاحية تحالف مع آل سعود الذين آمنوا بصحة الحركة وجوهرها فحمتها وآوتها ونصرتها حتي فرضت نفسها علي شبه الجزيرة العربية وآمن بها الكثير من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.
النشأة
المؤسس
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بريد محمد بن بريد بن مشرف[2] وآل مشرف فرع من فروع آل وهبه أحد فروع قبيلة بني تميم الشهيرة. كان جد الشيخ محمد هو العالم النجدي الكبير سليمان بن علي الذي تولي القضاء في روضة سدير ثم في مدينة العيينة. وكان ابوه الشيخ عبد الوهاب قاضيًا للعيينة أيضاً.ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1115هـ/ 1703م بمدينة العيينة.
المسلمون قبل الحركة
يرى اتباع الدعوة حال أهل نجد قبل دعوة محمد بن عبد الوهاب من انتشار الشرك في البلاد الإسلامية، يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، حفيد محمد بن عبد الوهاب:
«وأهل نجد كانوا قبل هذه الدعوة قد بعدوا كل البعد عن تعاليم الدين والإسلام وتردوا في هاوية سحيقة من الشرك والضلال فعادوا إلى ما كان عليه مشركو الجاهلية الأولى قبل البعثة من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأوثان والأصنام ... وبهذا يعلم أنما كان عليه أهل نجد قبل ظهور دعوة الشيخ - ابن عبد الوهاب - من عبادة الأوثان دين شرك باطل.»
ظهور محمد بن عبد الوهاب
أول ما بدأت هذه الحركة في العيينة حيث منشأ محمد بن عبد الوهاب وبدأت حركة علمية بحتة، فبدأ بنشر عقيدة التوحيد والإنكار على ما رآه سائداً في زمانه كالتبرك بالقبور والأشجار والتعلق بالتمائم، باعتبارها أعمالاً تنافي التوحيد كما عمد محمد بن عبد الوهاب إلى التحذير من تلك الأعمال وتدمير الأضرحة والمشاهد المبنية على القبور حتى أنه كان مستعداً للقتال من أجل ذلك وساعده في ذلك عثمان بن معمر أمير العيينة، يقول المؤرخ ابن بشر:
«إن الشيخ - ابن عبد الوهاب - أراد أن يهدم قبة زيد بن الخطاب، فأتى عند بلد الجبيلة ... وسار معه عثمان بنحو ستمائة رجل، فأراد أهل الجبيلة أن يمنعوهم من هدمها فلما رأوا عثمان وأنه قد عزم على حربهم إن لم يتركوه يهدمها كفوا وخلوا بينهم وبينها، فهدم فيها الشيخ - ابن عبد الوهاب - بيده لما تهيب هدمها الذين معه.»
كما بدأ محمد بن عبد الوهاب بتطبيق الحدود الشرعية كحد الزنا حيث يقول المؤرخ ابن بشر:«أتت امرأة واعترفت عنده بالزنا بعدما ثبت عنده أنها محصنة .. فأقرت واعترفت بما يوجب الرجم، فأمر بها فرجمت.»، وبدأ في نشر وتعليم العلم الشرعي وعلوم القرءان وعلم الحديث وأصول الفقه واللغة العربية، وقد انتشرت في نجد إلا ان حاكم العيينة عثمان بن معمر طلب من الشيخ الخروج عنه بعد تعرضه للتهديد من قبل أمير الأحساء ابن عريعر.عنوان المجد، ج1، ص32.
الدولة السعودية الأولى
الدولة السعودية الأولى.
تحالف بن عبد الوهاب مع ابن سعود
في عام 1157 هـ في بلدة الدرعية تعاون محمد بن عبد الوهاب مع أمير نجدي اسمه محمد بن سعود - مؤسس الدولة السعودية الأولى - على شبه حلف ديني سياسي فبايع محمد بن عبد الوهاب الأمير محمد بن سعود على السمع والطاعة وكان هذا سببًا أساسيًّا لنجاح الحركة فقد وجدت رعاية سياسية وحماية عسكرية، وبايعه الأمير محمد على نشر دعوته إذا استتب الأمر له، واشترط محمد بن سعود في مبايعته للشيخ أن لا يتعرض له فيما يأخذه من أهل الدرعية مثل الذي كان يأخذه رؤساء البلدان المختلفة على رعاياهم، فأجابه محمد بن عبد الوهاب على ذلك رجاء أن يخلف الله عليه من الغنيمة أكثر من ذلك. وجعل محمد بن عبد الوهاب ينشر دعوته بين الناس، فكثر المؤيدون لها وزاد المعتنقون لمبادئها وانتشرت في أرجاء شبه الجزيرة العربية وخارجها نتيجة نشاط الشيخ ومكاتباته التي ارسلها في جميع أصقاع العالم الإسلامي، فقد راسل علماء مصر والشام والهند، وانتشرت حلقات العلم وانتقل كثير من طلبة العلم للدرعية للدراسة علي يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأصبحت الدرعية مركزا للعلم الشرعي والدعوة لله ونشر عقيدة التوحيد وانتشرت مولفات الشيخ وكتبه وكتب طلبته في سائر نجد، وكاتبه كثير من علماء العالم الإسلامي وأيدوه ونشروا كتبه.
بداية المعارك
بعد أن استقر الأمر لمحمد بن عبد الوهاب بالدرعية أمر أتباعه بالجهاد، فحض الناس على القتال، فامتثلوا، يقول ابن غنام:«وقد بقي الشيخ – ابن عبد الوهاب – بيده الحل والعقد والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير، ولا يركب جيش ولا يصدر رأي إلا عن قوله ورأيه، إلى أن استولى ورجاله على أغلب الجزيرة العربية وأصبحت تحت سيطرتهم.»
من معاركهم
في عام 1212 هـ، غزو عرب الشام، يقول المؤرخ ابن بشر:
«وفيها غزا حجيلان بن حمد أمير ناحية القصيم بجيش من أهل القصيم وغيرهم، وقصدوا أرض الجوف شرق الشام، وأغاروا على عربان الشرارات فانهزموا فقتل منهم نحو مائة وعشرون رجلا. وأخذوا جميع محلتهم وأمتاعهم وأزوادهم وأخذوا من الإبل خمسة آلاف بعير وأغناما كثيرة. وعزلت الأخماس فأخذها عمال عبد العزيز وقسم حجيلان باقيها على الجيش غنيمة.»
في عام 1216 هـ، الهجوم على كربلاء، يقول المؤرخ ابن بشر:
« فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت. وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين. وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد. واليواقيت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل..»
في عام 1217 هـ، غزو الطائف، يقول المؤرخ ابن بشر:
«فساروا إلى الطائف وفيها غالب الشريف وقد تحصن فيها، وتأهب واستعد لحربهم. فنازلته تلك الجموع فيها فألقى الله في قلبه الرعب وانهزم إلى مكة، وترك الطائف فدخله عثمان ومن معه من الجموع -الوهابية - وفتحه الله لهم عنوة بغير قتال، وقتلوا من أهله في الأسواق والبيوت، فقتل منهم عدة مائتين. وأخذوا من البلد من الأموال الأثمان والأمتاع والسلاح والقماش والجواهر والسلع الثمينة ما لا يحيط به الحصر ولا يدركه العد.»
في عام 1217 هـ، غزو مكة المكرمة، يقول المؤرخ ابن بشر:
«ودخل سعود مكة وأعطى أهلها الأمان وبذل فيها من الصدقات والعطاء لأهلها الكثير، فلما خرج سعود والمسلمون من الطواف والسعي، فرّق أهل النواحي يهدمون القباب التي بنيت على القبور والمشاهد الشركية، وكان في مكة من هذا النوع شيء كثير في أسفلها وأعلاها ووسطها وبيوتها. فأقام فيها أكثر من عشرين يوما. ولبث المسلمون في تلك القباب بضعة عشر يوما يهدمون، يباكرون إلى هدمها كل يوم.»
في عام 1220 هـ غزو المدينة المنورة، يقول المؤرخ ابن بشر:
«وفي أول هذه السنة قبل مبايعة غالب، بايع أهل المدينة المنورة سعود على دين الله ورسوله السمع والطاعة، وهدمت جميع القباب التي وضعت على القبور والمشاهد وذلك أن آل مضيان رؤساء حرب وهما بادي وبداي ابني بدوي بن مضيان ومن تبعهم من عربانهم أحبوا المسلمين ووفدوا على عبد العزيز وبايعوه، وأرسل معهم عثمان بن عبد المحسن أبا حسين يعلمهم فرائض الدين وقرر لهم التوحيد. فأجمعوا على حرب المدينة ونزلوا عواليها، ثم أمر عبد العزيز ببناء قصر فيها فبنوه وأحكموه واستوطنوه، وتبعهم أهل قباء ومن حولهم وضيقوا على أهل المدينة وقطعوا عنهم السوابل وأقاموا على ذلك سنين.»
في عام 1220 هـ غزو بلدة المشهد العراقية، يقول المؤرخ ابن بشر:
«وفيها سار سعود بالجيوش..ونازل بلد المشهد المعروف في العراق..فلم يقدروا على الوصول إليه، وجرى بينهم مناوشة رمي من السور والبروج..ثم رحل عنه سعود وأغار على الرملات من عربان غزية، فأخذ مواشيهم.»
في عام 1222 هـ، غزو البصرة، يقول المؤرخ ابن بشر:
«ثم سار إلى البصرة ونزل عندها وسار المسلمون على جنوبها ونهبوا فيه وقتلوا قتلا.»
في عام 1225 هـ، غزو عمان، يقول المؤرخ ابن بشر:
«فسارت تلك الجنود إلى عمان فنازلوا أهل بلد مطرح المعروف على الساحل وأخذوه عنوة.»
نزول الجزيرة العربية تحت حكمهم
بعد أن دارت معارك واسعه من قبل السعوديين مع العثمانيين، وتم توحيد الجزيرة العربية تقريباً تحت سيطرتهم، تم استعادتها من خلال الجيوش العثمانية التي أرسلها والي الدولة العثمانية بمصر محمد علي باشا بأمر من السلطنة العثمانية وبقيادة ابنه إبراهيم باشا، وظل الجزء المسيطر عليه من الجزيرة تحت القيادة العثمانية حتى تراجع محمد علي باشا عن كل ما سيطر عليه في أواخر عهد محمد علي بعد الحرب بينه وبين العثمانيين والتي أنتهت بهزيمته رغم اقترابه من الأستانة، بسبب التدخل الأوروبي لصالح الأستانة.
عودة الدولة السعودية
سرعان ما تمكن السعوديون من تنظيم انفسهم وترتيب صفوفهم، وبذلك حققت الوهابية انتشارا واسعا بعد أن تبناها محمد بن سعود كمذهب لحركته التي سرعان ما سيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية مما أدى إلى انتشار دعوتهم في الجزيرة العربية وبعدها انتقلت أفكارها إلى بلدان أخرى، حيث تأثر بها بعض علماء مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان القريبة.
منهج الوهابية في العقيدة
Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: سلفية
يرى أتباع محمد بن عبد الوهاب أن منهجهم هو منهج أهل السنة والجماعة حيث اعتمدت أفكار ابن عبد الوهاب بشكل عام على إحياء فكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية في نبذ العادات التي رآها الشيخان ملتبسة بالشرك والتي كانت منتشرة في الأوساط المسلمة وتنقية العقيدة الإسلامية المبنية على التوحيد الكامل لله، أما في مجال الفقه فقد اتبعوا منهج ابن تيمية الذي سلك بشكل عام مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفقه ، وخالفه في بعض المسائل منها ما يتعلّق بباب الطلاق ومسألة التوسل.
الوهابية كنظام للحكم
يتبنى أتباع الوهابية فكرة الدولة الدينية ويرون أن الدولة لابد أن تُحكم بالشريعة الإسلامية ويطبقون ذلك من خلال بعض الآليات منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث تأسست هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة العربية السعودية الحديثة، أتباعها هم طائفة من الموظفين المدنيين يجوبون الشوارع ويفرضون ما يعتبر في باقي البلدان الإسلامية بأنه خيار شخصي، وإن كانت قد تفاوتت درجة فرضهم للعبادات والأخلاق حسب الحقبة، حيث بالرياض قديماً إذا مر أحد المطوعين بجانب منزل وشم رائحة تبغ كان لا يتورع عن اقتحام المنزل وضرب المدخن لانتشار الجهل آنذاك، أما الآن فقد اقتصر عملهم على حدود أضيق مثل اغلاق المحلات أوقات الصلوات. ويعتبر السلفيون نظام الهيئة الحالي هو التطبيق الأمثل لنظام الحسبة المستوحى من الآية: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ والذي كان متبعاً بالعصور الإسلامية. وكلمة المحتسب أو المطوع مشتقه من الاحتساب لوجه الله (المحتسب) أو التطوع لوجه الله (المطوع).
انتقادات
تعرّضت الدعوة الوهابية منذ ظهورها للنقد من قبل الكثير من خصومها، ومن هؤلاء الذين انتقدوها سليمان بن عبد الوهاب وهو أخو محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الدعوة الوهابية) في كتابه إلى حسن بن عيدان، وكان الكتاب بدون عنوان إلا أنه طبع فيما بعد تحت مسميات كثيرة منها "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية" وذكر بعضهم الكتاب باسم "فصل الخطاب في الردّ على محمد بن عبد الوهاب"، وقد سمّاه محمد بن حميد الحنبلي "السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة"، وهو موجودٌ بهذا الاسم على بعض المخطوطات لكنها متأخرة نسبيًا، وفي المكتبة الأزهرية نسخة مخطوطة من الكتاب تحت عنوان "الردّ على منْ كفّر المسلمين بسبب النذر لغير الله والاستغاثة بغيره ونحو ذلك"، وهناك نسخة أخرى بالعنوان ذاته في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد. انتقدها كذلك أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة في كتابيه "فتنة الوهابية" و"الدرر السنية في الرد على الوهابية" (وقد رد عليه عالم حديث من الهند اسمه محمد بشير السهسواني في كتابه "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان")، وابن عابدين الحنفي، والصاوي المالكي صاحب الحاشية على تفسير الجلالين، ويوسف الرفاعي في كتابه "نصيحة لإخواننا علماء نجد" والبوطي في كتابه "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي"، ومحمود سعيد ممدوح في مقدمة كتابه "كشف الستور عما أشكل من أحكام القبور"، وكذا الصنعاني، وأبو الهدى الصيادي، ومصطفى صبري، ومحمد زاهد الكوثري، بالإضافة إلى علماء آخرين من الأزهر والزيتونة والقرويين، وفيما يلي مختصر هذه الانتقادات وموقف محمد بن عبد الوهاب وأتباعه منها في عدة نقاط:
تكفير المسلمين وقتالهم : رمى الخصوم هذه الدعوة وأتباعها بتكفير المسلمين وقتالهم، وقد ذكر محمد بن عبد الوهاب في عدّة رسائل أنه اتُّهِم هو وأتباعه بأنهم يُكَفِّرون بالعموم، وبين بطلان هذه التهمة التي تمكّن الخصوم من نشرها حتى بلغت الآفاق، حيث أرسل للشريف في مكة رسالة يبين فيها بطلان هذه التهمة، إذ يقول : " ... وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم : إنا نكفِّر بالعموم .. " إلى أن قال : " فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون الناس به عن دين الله " ، ويقول في رسالة أرسلها لتُقرأ على عامة المسلمين : " من محمد بن عبد الوهاب إلى من يصل إليه من المسلمين .. سـلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ما ذُكِر لكم عني أني أُكَفِّر بالعموم فهذا من بهتان الأعداء ... ".مجموع مؤلفات الشيخ، ج5، ص64. وقد ذكر محمد بن عبد الوهاب أن الذين أثاروا هذه التهمة هم الأعداء وخصوم دعوته حيث يقول عن هذه التهمة : إنها ( من بهتان الأعداء ). كما نسب خصوم محمد بن عبد الوهاب إليه بأنه يُكَفِّر من لم يقاتل معه، ومن امتنع عن تكفير من كفّره، وقد وصف محمد بن عبد الوهاب ذلك كله بأنه من البهتان الذي افتراه الخصوم على لسانه. وقد ردّ على هذه الاتهامات والافتراءات في عدة مواضع، ومن ذلك ما ذكره في رسالته إلى الشريف التي بيّن فيها ضوابط التكفير، فكان مما قال : " أركان الإسلام الخمسة أولها : الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقرّ بها وتركها تهاوناً , فنحن - وإن قاتلناه على فعلها - فلا نُكَفِّره بتركها، والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود، ولا نقاتل إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهي الشهادتان ". وقد كتب محمد بن عبد الوهاب رسالة يسيرة ضمنها نواقض الإسلام التي من وقع فيها كفر وخرج عن الإسلام، وهي مأخوذة مما ذكره فقهاء المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد من كتبهم، وخاصة ما ذكره الإمام الحجاوي الحنبلي في كتابه كشاف القناع فقد نقل عنها بعض هذه النواقص بنصوصه. وبهذا يعلم أن محمد بن عبد الوهاب لم يخرج عما قرره فقهاء المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد وبخاصة الحنابلة منهم، كما أنه يرى التفريق بين التكفير المطلق والتكفير المعين، وأن التكفير لابد فيه من توافر الشروط وانتفاء الموانع وقيام الحجة.
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا، الجن: 18، مكتوبة على جدران أحد المساجد في مدينة يونان في الصين.
تنقص الأولياء والصالحين : رمى الخصوم محمد بن عبد الوهاب وأتباع دعوته بتنقص الأولياء والصالحين وإنكار كراماتهم. وقد رد على من اتهمه بذلك وبين كذبه وبهتانه ، فقال : " مما ذكره المشركون عليّ أني أتكلم في الصالحين أو أنهى عن محبتهم فكل هذا كذب وبهتان افتراه عليّ الشياطين ". ويقول - أيضاً - : " وأما الصالحون فهم على صلاحهم رضي الله عنهم، ولكن نقول ليس لهم شيء من الدعوة قال الله: { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } [سورة الجن : آية 18] ". وأما دعوى إنكار محمد بن عبد الوهاب لكراماتهم فيكذّبها قوله: " وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله " . بل إن محمد بن عبد الوهاب يجل الأولياء والصالحين ويعرف لهم قدرهم ، بل وينكر على من ينكر فضائلهم وكراماتهم يقول في ذلك : " الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين " . والحقيقة أن كثيرا من هؤلاء الخصوم رموا محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بما هم براء منه بسبب خطئهم في مسألة كرامات الأولياء حيث ادعوا الولاية لمن ليست متحققة فيه من أرباب الطرق وسدنة القبور وقالوا بعدم الفرق بين إثبات الكرامات للأحياء وبين إثباتها للأموات، وجعلوا كثيراً من الشركيات ومحدثات الأمور ضمن إثبات كرامات الأولياء، فأجازوا الاستغاثة بالأولياء - فيما لا يقدر عليه إلا الله - ودعاؤهم بحجة أن هذا - الشرك - ضمن إثباتهم كرامات الأولياء، ومن باب محبتهم وتقديرهم. ومن أنكر هذه الشركيات فهو منكر للكرامات !!!
تحريم البناء على القبور وزيارتها : اعترض خصوم محمد بن عبد الوهاب عليه وعلى أتباعه من بعده بأنهم يهدمون الأبنية على القبور، كما يهدمون القباب التي على الأضرحة والمشاهد، ويمنعون تجصيص القبور وكسوتها وتزيينها، ويرون النهي عن شدّ الرحال لزيارة القبور … ونحو تلك الأمور. وبالفعل فقد كان محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من بعده يعتقدون تلك الأمور قولاً وعملاً، ولكن هؤلاء الخصوم ساقوا تلك الأمور في مقام الاعتراض، وأوردوها بقصد التشنيع على دعوته، ولذا فإنها لا تخلو - غالباً - من الكذب والافتراء. ومن أوائل المعترضين سليمان بن سحيم، حين ذكر ذلك في رسالته التي بعثها إلى الأمصار يقول حسين بن غنام في جوابه على رسالة ابن سحيم هذه: " فهذا الكلام ذكر فيه ما هو حق وصدق، وذكر فيه ما هو كذب وزور وبهتان، فالذي جرى من الشيخ رحمه الله وأتباعه أنه هدم البناء الذي على القبور، والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه وذلك كذب ظاهر، فإن قبر زيد رضي الله عنه ومن معه من الشهداء لا يعرف أين موضعه بل المعروف أن الشهداء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي، ولا يعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يعرف قبر زيد من قبر غيره، وإنما كذب ذلك بعض الشياطين وقال للناس: هذا قبر زيد، فافتتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمع كثير ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فلأجل ذلك هدم الشيخ ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد المبني على المقبرة اتباعاً لما أمر الله به رسوله من تسوية القبور، والنهي الغليظ الشديد في بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك من له أدنى ملكة من المعرفة والعلم " . ومما كتبه سليمان بن سحمان في الرد على أحد خصوم محمد بن عبد الوهاب ودعوته : " لم يعهد في زمن من الأزمنة، إطباق جميع الناس خاصتهم وعامتهم على جواز البناء على القبور، واتخاذها مساجد، وإسراجها، وخدمتها وسدانتها والعكوف عندها، بل كل أهل العلم بالله وبدينه في كل زمان ومكان ينهون عن البناء عليها، وعن إسراجها، والعكوف عندها، وعن شد الرحال إليها للزيارة". ويقول: " وأما هدم القباب فنعم، فإن الشيخ فعل ذلك، وقد اتبع في ذلك أئمة الإسلام من سادات الحنابلة وغيرهم من العلماء ".
الخروج على الخلافة العثمانية : ادعى بعض خصوم محمد بن عبد الوهاب أنه قد خرج على الدولة العثمانية، ففارق بذلك الجماعة، وشق عصا السمع والطاعة، ولذا وصفوه وأتباعه بأنهم خوارج. والحقيقة أن محمد بن عبد الوهاب يعتقد وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف. يقول في رسالته لأهل القصيم : " وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه " . كما صرح حفيده محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن باعتقاد جده وأتباعه في هذه المسألة فقال : " ونرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية ". ولكن منطقة نجد التي هي موطن هذه الدعوة ومحل نشأتها لم تكن تحت سيطرة الدولة العثمانية . ولهذا يقول الدكتور صالح العبود : " لم تشهد نجد على العموم نفوذاً للدولة العثمانية، فما امتد إليها سلطانها، ولا أتى إليها ولاة عثمانيون، ولا جابت خلال ديارها حامية تركية في الزمان، الذي سبق ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومما يدل على هذه الحقيقة التاريخية استقراء تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، فمن خلال رسالة تركية عنوانها (قوانين آل عثمان مضامين دفتر الديوان) يعني قوانين آل عثمان في ما يتضمنه دفتر (الديوان) ألفها - يمين علي أفندي - الذي كان أميناً للدفاتر الخاقاني سنة 1018هـ الموافقة 1609م من خلال هذه الرسالة يتبين أنه منذ أوائل القرن الحادي عشر الهجري، كانت دولة آل عثمان تنقسم إلى اثنتين وثلاثون إيالة، منها أربع عشرة إيالة عربية، وبلاد نجد ليست معها ما عدا الإحساء إن اعتبرناه من نجد... ". ويقول عبد العزيز بن عبد الله بن باز في جوابه على هذا الاعتراض : " لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية - فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى …" . ويجيب الشيخ محمد نسيب الرفاعي على من ادعى أن هذه الدعوة حركة انقلابية المراد منها خلع الخليفة العثماني، وإعادة الخلافة إلى العرب فيقول: "لم يكن ليخطر على بال الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن ينقلب على خليفة المسلمين ولا مرّ بخاطره ذلك.. ولكن الملتفين حول الخليفة إذ ذاك من الطرقيين المتصوفة قلبوا له الأخبار، وشوهوها، ليوغروا صدر الخليفة عليهم، وحرضوه عليهم بحجة أنهم أهل حركة انقلابية على الخليفة نفسه، تقصد إرجاع الخلافة إلى العرب ... مع أن من صميم عقيدة الشيخ رحمه الله التي هي العقيدة الإسلامية الحقة أنه لا تنقض الأيدي من طاعة الخليفة القائم إلا أن يروا فيه كفراً بواحاً صراحاً، ولم ير الشيخ شيئاً من هذا حتى يدعو الناس إلى خلع الخليفة، حتى ولو كان الخليفة فاسقاً في ذاته، إن لم يصل فسقه إلى درجة الكفر البواح الصراح، فلا يجوز الانقلاب عليه، ولا الانتقاض على حكمه، وأن الشرع يخالف القيام على السلطان إلا في حالات الكفر البواح الصراح، حتى وإن الحركة - من أولها إلى آخرها - لم يكن للخليفة والخلافة أي علاقة في الدعوة ألبتة، حتى ولما استتب لهم الأمر في نجد والحجاز، أنهم انتقضوا على الخليفة، ولم يكن للخليفة ذكر قط في مراحل الدعوة ... ".
البقيع قبل الهدم من قبل الوهابية عام 1220 هـ، وتظهر فيها القباب على قبور آل البيت وبعض الصحابة
نسخة محفوظة 02 أبريل 2014 على موقع واي باك مشين.</ref>، وابن حجر العسقلاني ، والنووي .، والسيوطي ، وتاج الدين السبكي ، وتقي الدين السبكي ، وابن بطال ، وأبو جمرة ، وابن التين ، وابن الجوزي ، والرازي ، وأبو حامد الغزالي ، والباقلاني ، والذهبي. ومن المتأخرين: الشعراوي ، ومحمد علوي المالكي ، ومحمد علي الصابوني ، ومحمد الغزالي.
الخروج على الدولة العثمانية: يرى المؤيدون لحركة الشيخ ان من الخطأ إطلاق مصطلح الخلافة على الدولة العثمانية، إذ لم يكن حكم العثمانيين حكم خلافة بل هو حكم ملكي وانتهت الخلافة الإسلامية بوفاة علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ثم بدء الحكم الملكي الوراثي في المسلمين. ولم تكن نجد التي ظهرت فيها الحركة تقع تحت الحكم العثماني ولم يأخذ منهم أي بيعة للسلطان العثماني عكس بقية الأقاليم الإسلامية الأخرى. وقد حاربهم محمد علي باشا بحجة أنهم خوارج على الحكم العثماني عندما كان واليًا عثمانيًّا على مصر ثم عاد هو ليحارب الدولة العثمانية ويحاول القضاء عليها عسكريا وهذا يدل على ان الحجة التي تم بها محاربة الحركة الوهابية من قبل محمد علي كانت لغرض سياسي. وتبع العالم العربي كله الحركة الوهابية ليحارب العثمانيون فيكيف يتم اتهامهم بالخوارج.
تزوير التراث: بحذف وتغيير ما كان يخالف منهجهم من كتب التراث الإسلامي التي لا يستطيعون منع دخولها للسعودية لأن عامة المسلمين يحتاجون إليها، مثل ما فعلوا في كتاب الأذكار للنووي، وحاشية ابن عابدين الحنفي، وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين، وحذف الجزء العاشر في بعض النسخ من الفتاوى لابن تيمية وهو الخاص بالتصوف .
قتال من يقولون عنهم أنهم "معادون لأهل التوحيد" وأخذ أموالهم وأمتعتهم بدعوى أنهم مشركون: حيث يقول المؤرخ ابن بشر: وكان قد أقام هذا الحرب نحو سبع وعشرين سنة. وذكر أن القتلى بينهم في هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل. وهذا القتل وأخذ الأموال قد امتلأت به كتب التاريخ لابن غنام وابن بشر المؤرخ السعودي النجدي الحنبلي.
محاربة الامبراطورية العثمانية، حيث سعى محمد بن عبد الوهاب لإقامة مذهبه بالقوة والسيف، فاستولى على قسم كبيرمن الجزيرة العربية، وهاجم الكويت وساحل عمان ودمشق وكربلاء والنجف.
هدم الشواهد والآثار النبوية المتبقية: كما فعلوا بمكان ولادة النبي محمد بن عبد الله إذ يقولون بأن الموضع الذي ادعي أن الرسول ولد به كذبة فلا يعرف بأي دليل شرعي مكان ولادته تحديدًا، ومكان عيشه في مكة، وبستان الصحابي سلمان الفارسي حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي محمد بن عبد الله إذ يقولون بأنها كذبة فلا نخلة يتعدى عمرها عشرة قرون، وبيت الصحابي أبي أيوب الأنصاري، وردم بئر العين الزرقاء، وبئر أريس (بئر الخاتم)، وبئر حاء، وغيرها . وكذا هدم الأضرحة والقباب وقبور الصحابة وآل البيت. التي يقام عليهم نوع من أنواع العبادة لانها حسب اعتقادهم والتي تعتبر من وسائل الشرك والغلو في الأنبياء والصالحين، مستندين إلى حديث أخرجه مسلم في صحيحه يقول بنهى النبي محمد عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها. رغم أنها قد تحمل قيمة تاريخية أو أثرية أو فنية أو حتى دينية لغيرهم من المسلمين أو غير المسلمين. وتمثل ذلك في هدم العديد من الشواهد في السعودية. وكذلك هدم مرقد الزبير بن العوام في البصرة.
معرض صور
تناقض فتاوى الشيوخ حول المظاهرات والانتخابات والمرأة والأحزاب قبل ثورة 25 يناير وبعدها.. وتلاعب نفس الشيوخ بالشريعة والفقه وتغير آرائهم قبل ثورة 30 يونيو وبعدها كتب نهاية سيطرتهم على عقول المصريين
خريف الشيوخ والدعاة بدأ فى فترة حكم الإخوان وسيطرة السلفيين بعد ظهور الشيخ الكذاب والشتام والشيخ المتحرش والداعية النصاب ورجل الدين المتلون
صراع الحركات السياسية للاستفادة من نجومية الشيوخ بعد ثورة 25 يناير.. وطمع الدعاة فى استثمار نجوميتهم سياسيا كشف جهلهم ونزع عنهم ثوب الدين المقدس، وأطلق شرارة التمرد على كهنة المنابر
25 يناير فجرت قنبلة تعرية الشيوخ مع اقتراب البنزين من النار.. الشيوخ هم النار.. والسياسة هى البنزين.. والانفجار هو الحقيقة.. حقيقة كل الشيوخ الذين لم تسعفهم بلاغتهم ولا قدراتهم على التلون أمام أحداث سياسية متسارعة تحتاج شجاعة ومواقف واضحة فى النور
حسنا تبدو المسألة شديدة البساطة، ولكن فى منتهى التعقيد، كانوا رجالا أهل شهرة وثروة وحظوة ومريدين، أصواتهم فى كل مكان، وصورهم على زجاج سيارات المكيروباص والنقل العام، والجالسون فى حضرتهم ينحنون طمعا فى تمرير شفاههم فوق ظهور أيديهم، ثم فجأة تلاشى كل شىء فجأة كما لو كانوا أشباحا.
كانت الطوابير أمام أبوابهم بالآلاف، وكانت الصورة معهم بركة، والانتقال من السكون إلى الحركة لا يتم دون إشارة منهم، والهمهمة لا يقدم عليها الرجل سوى بفتوى منهم، كان الناس يذهبون إلى اليمين إن أومأت رؤوسهم إلى اليمين وإلى اليسار، إن فعلت رؤوسهم العكس، ثم توقفت رؤسهم عن الحركة وتوقف معها الناس عن التحرك كما القطعان.
القرضاوى
كانوا يتحركون فى مواكب، ويصطف أكابر القرى والمدن لتقبيل أيديهم، وتقام الولائم على شرفهم، ويعاير الأخ أخوه بأنه جلس فى وجه الواحد منهم مباشرة، وحصل على البركة بلمسة من يديه، كانت سطوتهم على العقول كبيرة، استنسخوا البشر فى الشوارع، الآلاف يسيرون نسخة واحدة شكلا ومضمونا، يتمتمون بنفس الكلمات، ويرتدون نفس الملابس، ويزورون نفس الحلاق، ويعتقدون نفس الفكرة تجاه أنفسهم وتجاه المجتمع، ثم فجأة تغير كل ذلك، اختفت الولائم وانفضت عنهم الصفوف، ولم تعد لمسة أيديهم بركة، وتحول خطابهم إلى متهم محل شك حتى تثبت طهارته وصدقه.
كانوا يدعون الناس إلى التقشف والزهد فى الدنيا، حتى ظن الناس فى الأثرياء الظنون، بينما نفس الناس مسحورة ترى فى ثراء شيوخهم فضل ونعمة من رب السموات والأرض، كانت أصواتهم تخرج عالية من نوافذ الميكروباصات وأتوبيسات الجمعية صراخا يأمر الناس بالصلاة «انت مبتصليش ليه.. صلى»، «مراتك مبتلبسش النقاب ليه..
ديووووووووووووث»، «بنتك بتروح المدرسة المختلطة ليه.. حرااام»، كانت أصواتهم تخرج من كل شارع، من الدكاكين، مأذن المساجد، كاسيت عربات الكبدة، نوافذ البيوت، كانوا نجوم الكاسيت بلا منازع، يصرخون فى الناس ويحدثونهم عن عذاب النار والثعبان الأقرع، ويرهبونهم ويخوفونهم من الله والطريق إليه، رغم أن أغلفة شرائط الكاسيت تحمل أسفل أسمائهم المكتوبة بالبنط العريض أى ربانية مكتوبة على الهامش تخبر الناس بأن الدعوة إلى الله لا بد أن تكون بالموعظة الحسنة، ولكنهم أقنعوا الملايين الغائبة عقولها أن كلامهم أصدق من كلام الله، هكذا كان يتحدث مريدو الشيوخ فى التسعينيات وبداية الألفينات، الشيخ فلان هو اللى قال، حتى ما قاله الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يقال على ألسنة الناس إلا كما فهمه أو حفظه الشيخ فلان.
برهامى
كانوا هم ملوك الأرض وما عليها من عقول، من حضر دروسهم ومن لم يحضر، من تبعهم وسار ضمن قطعانهم ومن تمرد وسار عكس الاتجاه، من تزاحم أمام منابرهم وانضم لقطعانهم كان لا يتكلم إلا بما قال الشيخ ولا يرتدى إلا ما أمر به الشيخ، ولا يتزوج إلا بمن أشار نحوها الشيخ، ومن لم يحضر وتمرد كان يعانى من نظرات مريدين الشيخ، سواء كانوا جيرانا أو زملاء عمل، كان محل شفقة، ومستهدفا طول الوقت بنصائح الهداية ولا تمر ليلته إلا وهو يواجه سيل التحريم وسيلا من دعوات ضرورة زيارة الشيخ وحضور دروسه.
كان الشيوخ فى تلك الفترة التى سبقت 25 يناير 2011 وما بعدها من شهور نجوما للمجتمع المصرى، نجوما لشاشات الفضائيات تنافس برامجهم الجميع، وتنافس مبيعات شرائطهم مبيعات نجوم الكاسيت من المطربين، بينما مواقعهم على الإنترنت هى الأعلى والأكثر زيارة فى مجتمع يعشق التظاهر بأنه متدين بطبعه.
كانوا نجوم الصف الأول سواء أكانوا شيوخا تابعين للماركة السلفية أو من أهل ماركة الدعاة الجدد، يصدقهم الناس ويتبعهم الملايين، عششوا فى عقول المصريين بشكل جعل كل خطوة لمواطن مصرى يجب أن تتم بفتوى من شيخ، وامتلأت الساحات ببرامج ودروس دينية فى كل مكان، مسجد، منزل، شاشة تليفزيون، يسأل فيها المواطن شيخه كيف يدخل الحمام؟ هل كانت النملة التى كلمت سيدنا سليمان ذكرا أم أنثى؟ هل يأكل حلوى المولد؟ هل يشرب النسكافيه؟ هل يرتدى بنطلون وقت الصلاة؟ وهكذا وهكذا حتى أصبح ريموت كنترول الشعب المصرى أو أغلبه فى يد الشيوخ، إن ضغطوا على الزر تحركت جموع الناس وفق هواهم أو وفق مصالحهم، طبقا لما اكتشفه المصريون أنفسهم فيما بعد.
محمد حسان
سيطرة كاملة للشيوخ تجلت ذروتها من منتصف التسعينيات وحتى ثورة 25 يناير، واتضحت نتائجها فى شهور الارتباك التى تلت أحداث 25 يناير، حينما صدم المصريون بملايين من المواطنين يتحركون وفق إشارة الشيخ فلان، يؤيدون ويعارضون وفق فتوى شيوخهم.
فى تلك اللحظة التى تخيل فيها شيوخ مثل محمد حسان ومسعد أنور وياسر برهامى ومحمد الصغير ومحمد حسين يعقوب وعمرو خالد وأبوإسحاق الحوينى والقرضاوى وغيرهم، أن بوصلة الأمر فى القاهرة أصبحت بين أيديهم، وأن وقت الحصاد قد حان، وساعة التمكين قد حلت، وأن الشعب المصرى بأكمله قد تدلى بين أيديهم ليتضخم قطيع مريديهم، كانت تلك ظنونهم بينما كان واقع الأحداث على الأرض يخبرنا بأن أيام ما بعد 25 يناير مرورا بفترة حكم الإخوان وسيطرة السلفيين على الأجواء البرلمانية هى بداية النهاية لزمن الشيوخ، هى موسم الخريف الذى تتساقط فيه أوراق النجوم من شيوخ السلف أو الإخوان أو الدعاة الجدد، ويذهب تأثيرهم بلا رجعة، لأن مسا ما أصابهم وكشف لجموع البشر حقيقتهم وتجارتهم بالدين.
هرولت الحركات السياسية نحو الشيوخ للاستفادة من قدرتهم على التأثير فى الشارع، بل بعض الشيوخ أنفسهم قرروا استثمار نجوميتهم فى زيادة مساحة نفوذهم وتأثيرهم وسطوتهم وسلطتهم، فقرروا أن ينزلوا إلى ملاعب السياسة التى طالما حرمها بعضهم، وطالما حذر منها البعض الآخر، كان السيرك أكبر منهم، وكانت تقلبات الأوضاع السياسية أكبر من استيعابهم العقلى المبنى على النقل والحفظ، وكان الزمن قد تغير، وأصبح متاحا أن يرى الناس بأعينهم تسجيلا بالصوت والصورة للشيخ حسان وهم يدعو لمبارك ويحرم الخروج عليه فى المظاهرات، ثم يشاهدون تسجيلا آخر من نفس المنبر وعلى نفس الشاشة ولنفس الشيخ محمد حسان، وهو يبكى فرحا ويصف مبارك بالطاغوت، كان الزمن قد تغير والعقول تمردت بروح الثورة، وأصبح سهلا لشباب الدعوة السلفية والمفتونين بياسر برهامى والمقدم أن يقارنون بين فتاوى الدعوة السلفية القديمة التى تحرم الديمقراطية والأحزاب، وبين تحركات الواقع لشيوخ الدعوة السلفية وهم يؤسسون الأحزاب ويمدحون الديمقراطية بنفس حماس تحريمهم لها قبل ذلك.
كانت الأحداث سريعة وكاشفة ليشاهد الناس أكاذيب على ونيس وأنور البلكيمى، شيوخا وعظاة الناس ضد الكذب والتحرش، ضبط أولهم مع سيدة فى الطريق الزراعى بوضع مخل، وسقط الثانى فى فخ الكذب بشأن عملية تجميل بأنفه، طمع أن تتم فى السر لكى تناسب وضعه الجديد كشيخ تحول إلى عضو برلمان.
كانت الوقائع سريعة ومدهشة تكفى لتعرية الإخوان المسلمين وجموع المواطنين يشاهدون الجماعة وشيوخها وشبابها وهم يكذبون بشأن كل شىء، يتحدثون عن العفة والأخلاق بينما يشرعنون الشتائم ويفتون بجواز القتل، طالما أن الأمر فى مصلحة الإرشاد، يحرمون القروض والبنوك، ثم يصدرون فتوى إباحتها بعد شهور طالما أن ذلك فى مصلحة محمد مرسى وحكومة هشام قنديل الإخوانية.
كل شىء أصبح متاحا للمعرفة، وكل الأكاذيب أصبحت مفضوحة، انفجرت قنبلة تعرية الشيوخ، حينما اقترب البنزين من النار، كانت الشيوخ هم النار، والسياسة هى البنزين، وكان الانفجار هو الحقيقة، حقيقة كل هؤلاء الشيوخ الذين انتهى زمانهم حينما قرروا أن يلعبوا بنار السياسة، فلم تسعفهم بلاغتهم ولا قدراتهم على التلون أمام أحداث متسارعة كانت تطلب وضوحا وشجاعة ومواقف واضحة فى النور، وهم لا يحترفون العيش فى النور، النور كان مخصصا فقط للحظة التجلى السمحة فوق المنابر للاستحواذ على الناس وتعاطفهم، أما باقى حياتهم كانت فى الظلام، حيث مخالفة كل ما نصحوا به الناس، وحيث الحصول على التمويل اللازم للتلاعب فى الدين وفق هوى من دفع المبلغ الأكبر، لذا سقطوا جميعا فى الفخ وتعروا أمام الشعب، حينما أجبرتهم لحظة التمكين التى اعتقدوا فيها أن الوقت قد حان للظهور بوجههم الحقيقى كمتلاعبين بالدين وتجار للفتوى، وكان الناس لهم بالمرصاد، يمارسون لعبة الفضح والكشف لإنهاء حقبة سيطرة الشيوخ مستعينين عليهم بسلاح السياسة.
محمد حسين يعقوب
كان للشيخ الشعراوى رحمة الله عليه مقولة يبدو استدعاؤها الآن صالحا، كان يردد دائما: «أتمنى أن لا يصل أهل الدين إلى السياسة»، كان يعرف أن السياسة كاشفة، وأن تلاعب الشيوخ بالسياسة سيكشف تلاعبهم بالدين، وبالتالى ستسقط هيبة رجل الدين، والناس فى مصر على غير ما يعتقد كثيرون طارت العصافير التى شكلت وشما فوق أقفيتهم منذ أزمنة طويلة، وأصبحت عقولهم أكثر قدرة على استقراء المشهد السياسى والتفرقة والمقارنة بين الشيوخ الذين يحرمون ويحللون وفق المصلحة السياسية وهوى الجالسين على مقاعد السلطة.
لا تحتاج إلى باحث لإدراك تلك الحقيقة، ما حدث فى زمن بعد ثورة 25 يناير يكشف لك كل شىء، مواقف سابقة مثل المظاهرات والانتخابات والترشح للمجالس النيابية وتأسيس الأحزاب كانت التيارات السلفية فى مصر وشيوخها يرفضونها ويعتبرونها فعلا من أفعال الكفر وتقليد الغرب، ثم تغير كل شىء بعد الثورة، ورأى المواطنون نفس الشيوخ والتيارات السلفية تعيد تزوير وتظبيط «وتأييف» الدين لإصدار فتاوى تحلل لهم تأسيس الأحزاب السياسية والمشاركة فى الانتخابات، بل وإتاحة مشاركة النساء والأقباط معهم، رغم أن مبررات التحريم لم تتغير بعد، وطرح هذا الأمر على عقول الناس إشكالية وإصدار الفتوى ومببرراته، هل هى علمية أم سياسية؟ لتأتى الإجابة أنها تصدر وفق هوى المصلحة، مصلحة الشيخ أو التيار الذى يستخدمه، فضاعت هيبة الشيوخ وضاع معها هيبة العلم الدينى، فمن من جيل متمرد بعد ثورة يمكنه أن يحترم علما أو شيخا يتغير طبقا لحجم المدفوع من أموال.
مسعد أنور
أيضا التحولات السريعة التى حصلت لكثير من المواقف السياسية السلفية لا يمكن وصفها بأنها طبيعية، لأنها وقعت فى زمن قياسى، ولم يسبقها نقاش عميق، خصوصا ما فعله شيوخ الإخوان وحزب النور ومحمد حسان وحسين يعقوب وغيره، وكانت تلك التحولات التى مهد لها الشيوخ طوال الوقت بآراء فقهية وفتاوى مغايرة ومتناقضة مع ما كان معلنا مسبقا خلقت قناعة فى وجدان الشارع المصرى.
بواعث إصدار الفتاوى ليست دائما علمية تأصيلية بل سياسية مرتبطة بالمصلحة، فارتباط العلماء بالسلطة أو تيارات سياسية بعينها جعلهم يعملون على استقرارها على حساب الشعوب، بل على حساب الدين وقيمه، من هنا كان السقوط الأخير لهيبة رجل الدين، والنهاية الأبدية لفكرة الشيخ النجم.
ساهم فى تسريع عملية الانهيار لفكرة الشيخ السياسى أو الشيخ النجم، مواقف الشيوخ الذين قدموا أنفسهم كثوار بعد 25 يناير، بينما كل مواطن فى مصر كان يتذكر جيدا آراءهم وفتاويهم المناصرة لنظام مبارك، تحليل العلاقة أيضا بين شيوخ التيار السلفى وسلطة مبارك ساهم فى التبكير بنهاية زمن المشايخ، كان النظام فى مصر قبل الثورة حريصا طول الوقت على تعديد وتنويع مصادر دعمه، وتجهيز كارت بديل إذا احترقت الكروت التى يدافع بها عن نفسه، كان طبيعيا جدا، وفى ظل عدم ثقة الناس فى المؤسسة الدينية الرسمية وموقفها السياسى، أن تصدر آراء وفتاوى من تيارات دينية أخرى سلفية أو غيرها، تدعم نظام مبارك وتصف وبشكل أكثر وضوحا أعداءه بالكفر والخيانة والإثم، مثلما قال أحد مشايخ السلف فى مصر، محمد سعيد رسلان وفى عز مظاهرات المعارضة فى وسط البلد عام 2005 الكلام التالى:
عمرو خالد
«لم يقل واحد من علماء أهل السنة- باختلاف طوائفها من حق وباطل-بجواز الخروج على الحاكم.. والخروج يشمل الكلمة، كما يشمل الكتابة، كما يشمل الخطبة بالتهييج، كما يشمل الثورات، كما يشمل الاعتصامات والمنشورات والمظاهرات، كل ذلك مخالف لاعتقاد أهل السنة، لم يقل به عالم من السلف ولا من الخلف».
وهكذا تحول المعارضون والمشاركون فى مظاهرات مصر إلى خارجين عن الدين، وعن المذهب السنى طبقا لكلام الشيخ رسلان، الذى جاء بعده الشيخ محمود عامر، رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور، ليفتى فى الناس بأن الرئيس مبارك لا بد أن يسبق اسمه لقب أمير المؤمنين، ثم أعلن تأييده لعملية التوريث داعيا من يرفضها إلى ضرورة العودة إلى رشده، ثم جاء الشيخ يوسف البدرى ليساهم فى اللعبة بفتوى تصف الداعين للإضراب بالغوغاء والدهماء، وحرم الإضراب ومطالبة الرئيس بالاستقالة.
لم يكن هناك أحد فى مصر يريد من الشيوخ أمثال الحوينى والقرضاوى وحسان ويعقوب وبرهامى وأنور وعبدالمقصود وما خلفهم من تيارات وأتباع سوى الآتى:
1 - احترام الرأى الآخر ومبادئ الديمقراطية.
2 - احترام الحريات الشخصية وما يكفله القانون والدستور من حقوق.
3 - احترام العقائد الدينية والمذاهب الأخرى.
4 - احترام مبدأ تداول السلطة وإعلاء شأن صندوق الانتخاب.
كان هذا ما نريده من الشيوخ حينما قرروا أن ينزلوا ملاعب السياسة، ووعدوا هم بذلك بل وشرعنوا تلك المطالب فى خطب عصماء خلال اللحظات الأولى لما بعد الثورة، تلك اللحظات التى كان يحاول الجميع فيها استمالة الشعب المصرى، ولكن الشيوخ المصدر الأكثر ثقة لملايين المصريين خالفوا ما وعدوا به، وفى مصر لا يحترم أحد هؤلاء الذين يعدون ويخلفون، يعلمون أن تلك علامة من علامات النفاق التى ذكرها النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، وأهل بلدى يؤمنون بأن قداسة رجل الدين أو الشيخ منبعها الاقتداء بالنبى عليه الصلاة والسلام وتعاليمه، وأصلها الوفاء بالعهد، لذا وجدوا فى تناقضات الشيوخ السياسية أكبر دليل على أن نهاية هذا الزمن الذى كان فيه حسان وأصحابه نجوما فى المجتمع يأمرون ويصرخون فيطيع الناس، ليجد المصريون أنفسهم أمام ملخص لحكاية كالتالى: وطن يحترم شيوخه ورجال دينه ويقدسه، ثم يكتشف أهل هذا الوطن أن شيوخهم صامتون بل يتلاعبون ويتاجرون بالدين لخدمة من يحكم، ثم نكتشف جميعا الشيوخ الذين طالما لعنوا السياسية قد فتنتهم لعبتها وألبسوها ثوب الحرام والحلال، ثم عاش الجيل الشاب صدمة صورة شيوخ الدين وهم فوق المنابر يلونها بلون من يحكم ولصالح من يدفع، ثم صدمتنا الحياة بمشاهد لشيوخ طالما تكسبوا الملايين بخطب العفة والأخلاق وهم يشتمون ويردحون لبعضهم أو لآخرين بسبب السياسة، ثم جاءت اللحظة التى تفهم فيها الشعب المصرى أكذوبة لحوم العلماء مسمومة، لأن الشيوخ التى زرعوها فى عقولنا لحماية أنفسهم لم يكونوا علماء، فلا عالم يغير فتواه أو نظريته وفق قيمة المدفوع فى جيبه، وبدأت أهم ثورة فى تاريخ مصر وهى ثورة تعرية الشيوخ، وبداية نهاية زمن الشيخ السياسى، وهو الزمن الذى سنتابع تفاصيله عبر هذا الملف خلال حلقات متتالية، نكشف فى كل حلقة منها قصة سقوط شيخ من النجوم الذين سيطروا على عقول المصريين، ونشروا التطرف والفتنة وأضاعوا هيبة رجل الدين فى نفوس المصريين.
- حسان أطلق شرارة حرق نفسه بفيديو الهجوم على مبارك بعد التنحى وترقى إلى مرتبة المنافقين حينما أخرج له الشباب فيديو قبل الثورة يمدحه ويحرم المظاهرات.
- تناقض فتاوى حسان قبل 25 يناير وبعد تنحى مبارك حول الخروج على الحاكم والتظاهر وتودده للشباب المتظاهرين بعد الهجوم عليهم أول ورقة سقطت لتعرية الشيخ المتلون.
- طمع حسان فى دور الشيخ السياسى وخطب عن الطغيان والحكام العرب الظلمة فظهرت صوره فى زيارة القذافى عام 2008 وهو يمدحه ويتملقه ويصفه بالعادل نصير الإسلام.
- ثورة 30 يونيو لم تمنح حسان فرصة للتلون.. دعم إرهاب الإخوان وفضحوه.. ناصر اعتصامهم وشتموه.. حاول التودد للدولة بمبادرة الحوار مع الإرهابيين فكشف الإرهابى عادل حبارة أمام النيابة أن الشيخ حسان هو الأب الشرعى للأفكار الإرهابية التكفيرية
حتى أيام الله منحوها اسمه.. أربعاء محمد حسان
كنا صغارا ولكن بعض الوعى كان حاضرا، كنا نشاهد الطرق المؤدية إلى مدينة المنصورة مزدحمة بمئات الجلابيب واللحى القادمة فى أتوبيسات خاصة وسيارات أجرة لحضور الدرس الدينى الأشهر فى تلك الفترة للشيخ محمد حسان الذى كان يزاحم أبو إسحاق الحوينى على لقب أيقونة السلفيين فى مصر.
يجلس على كرسيه المرتفع فوق رؤوس الحضور داخل مسجد ومركز التوحيد عقب صلاة المغرب كل أربعاء يخطب ويعظ ويبكى ويتشنج ويحكى قصصا لما كبرنا أدركنا أنها بلا أصول ولم تمر على مسار تحقيق فقهى محترم وشرعى، كان الناس فى الشوارع يتهامسون حول بياض وجه الشيخ، والنور الذى «يشع» من وجهه، بعضهم كان يقاتل ويضرب البعض من أجل أن يجلس أسفل قدمه ربما يمرر شفتيه بقبلة على قطعة من جسد الشيخ حتى ولو قدمه.
كان حسان ذكيا ومفوها يجيد التلاعب بالألفاظ ودمج القصص لهدف واحد هو انتزاع دموع الحضور وهمهمات بكائهم، كانت تلك قاعدة معروفة، الشيخ الأكثر قدرة على استجلاب دموع وبكاء الحضور هو الأكثر شهرة بلا شك، لذا كان حسان يقدم نفسه للناس بالقصص الجالبة للتعاطف وربما لم يكن خافيا على البعض وقتها أن خطبته التى تم تعبئتها فى شريط كاسيت عن وفاة النبى محمد صلى الله عليه وسلم وتحديدا لحظة الموت ودفن الجسد الطيب كانت الأكثر مبيعا وانتشارا فى الميكروباصات ودكاكين البقالة ومحلات الملابس و«فرشة» الكتب الدينية والسواك والسبح التى احتل بها السلفيون أرصفة المساجد والزوايا فى محافظات مصر.
كان غريبا أن تلمح على وجوه الخارجين من دروس محمد حسان هذا الأسف على حياتهم بعد كلمات الشيخ عن الزهد والإنفاق ورفض زينة الدنيا طمعا فى الآخرة، رغم أنهم نفس الحضور الذين تزاحموا قبل بداية الدرس أمام أبواب المسجد لحمل الشيخ من سيارته الفارهة بساعته وملابسه التى يفوق ثمنها ما يمكنه إطعام وكساء قرية كاملة من قرى محافظة الدقهلية الفقيرة، ولكن المسألة محسومة فى خطبة الشيخ الأثرياء «الوحشين» لا يزدهون ولا ينفقون وتلك خطيئتهم حبهم للدنيا الذى يظهر على ملابسهم وسياراتهم ومنازلهم وزينة دنياهم، بينما حسان ومن معه من الشيوخ كل هذا الزخرف والبذخ الذى يزين حياتهم ماهو إلا واجب وشرعي وتنفيذ للأمر الربانى «وأما بنعمة ربك فحدث».
فى تلك الفترة الزمنية كان محمد حسان ومن معه من شيوخ التيار السلفى يتاجرون كثيرا فى خطب الجمعة غير المسجلة بقصص عن اضطهاد الملتحين، ويستبكون الناس ويحضرونهم ضد المجتمع والدولة التى تكره الإسلام لأنها قبضت على الأخ فلان وهو ذاهب لصلاة الفجر بسبب لحيته، وأن الدولة تضيق على المشايخ وتحرمهم من المساجد، المثير هنا أن دراويش الشيخ محمد حسان وأتباعه كانوا يعودون من هذه الدروس وقلوبهم تمتلأ بشحنات من الغضب ضد الدولة وضد المجتمع الكاره للمشروع الإسلامى والمظاهر الإسلامية دون أن يسأل أحدهم نفسه ولماذا تسمح دولة مبارك التى تنتفض لمواجهة أى تجمع عمالى يتظاهر أو يحتج من أجل حقوقه، بينما تصمت وتفتح المجال بل وتؤمن الآلاف الذين يحضرون دروس الشيخ حسان؟، بل وكيف يصدقون حسان وهو يتحدث عن هذا الاضطهاد بينما هو نفسه مفتوحة أمامه كبرى المساجد فى محافظات مصر يخطب فيها الجمعة ويعطى دروسا، ويظهر على الفضائيات، ويؤسس شركات لإنتاج الكاسيت، ويحتل مريدوه عشرات الأرصفة لترويج كتبه وشرائطه؟
هم يعلمون الإجابة، ولكن يخشون المواجهة لأن فى آخر طريقها إجابة بأن شيخهم كذاب، لذا فإن الطريق كله حرام، هم يعلمون كما غيرهم وكما اعترف الشيخ محمد حسان فيما بعد أن وجوده ووجود زملائه من شيوخ التيار السلفى على الساحة بهذه القوة جزء من مضمون اتفاق يلتزم الشيخ من خلاله بالبعد عن السياسة والحديث فيها، بل وتقديم فروض الولاء والطاعة لنظام مبارك وتهدئة الناس إن غضبت بأحاديث وفتاوى فقهية من نوعية تحريم التظاهر والخروج عن الحاكم وغيره.
ظنت مؤسسات دولة مبارك وقتها بأنها صفقة رابحة تحاصر بها التواجد الإخوانى وتستغل من خلالها شعبية مشايخ السلف لصالح الاستقرار، ولكن ما حدث بعد ذلك أثبت أن الرابح من الصفقة هو محمد حسان وتياره السلفى، ازدادت سيطرتهم على المساجد والزوايا مقابل تراجع المؤسسات الدينية الرسمية للدولة، تضاعفت مساحات شهرتهم، وبالتالى سيطرتهم على عقول المصريين، بدأوا الطعن والتشكيك فى الأزهر وشيوخه رويدا رويدا حتى كانت المحصلة انعدام ثقة شعب فى مؤسسته الأزهرية، ابتعدوا عن الحديث المباشر فى السياسة، ولكنهم سقوا عقول المصريين التطرف المعادى للدولة والمكفر للمجتمع قطرة قطرة، وحينما تجلت لحظة ضعف دولة مبارك فى 25 يناير 2011 انقضوا عليها وفرضوا سيطرتهم وخططوا لسرقتها نحو منطقة طالبان والصومال وكل تجارب الحكم الإسلامى بشقيه السلفى والإخوانى، غير أن تلك اللحظة التى ظنها حسان لحظة تمكين وبدأ يبحث عن دور سياسى ويخلط ما هو دينى بما هو سياسى بعدما كان يحرمه فى زمن مبارك كانت لحظة حرقه وفضحه وبداية سقوطه.
تغير الزمن وتغيرت وسائله، خرج حسان من منطقته الآمنة إلى منطقة أكثر رحابة، اشتبك فى خطبه مع الوضع السياسى بأحداثه السريعة المتتالية عقب ثورة 25 يناير مصدرا نفس منطقه الذى كان يؤثر فى نفوس مريديه بأن الإسلام لديه حلول لكل شىء وتطبيق الشريعة هو طريق النجاة التى لن تتحقق إلا بوجود الإسلاميين فى السلطة، ولكن الشيخ حسان غفل عن أنه خرج من منطقته الآمنة، حيث المريدين الذين يصطفون لتقبيل يده أثناء الدخول إلى المسجد إلى مساحة رحبة ثورية يملؤها التمرد والرغبة فى التحقق من كل شىء، ولا يمر على عقول شبابها التناقض وتغير المواقف حسب الهوى ووفق المصلحة مرور الكرام.. فلما ظهر حسان إلى النور، وظنه أنه نور الشهرة والسيطرة كانت نارا تحرقه وتحرق كل ما جمعه خلال سنوات طويلة مضت.
طمع الشيخ حسان فى مد ظلال شهرته إلى الساحة السياسية، فأحرقته السياسة، تخيل أنه سيخطب كما سيخطب فى مسجد التوحيد، ولن يجد من الناس سوى همهمات البكاء والاستحسان، تخيل أنه ومن معه من شيوخ التيار السلفى سيكون لهم نفس مكانة هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وشكل بالفعل هيئة لكبار المشايخ ونصبوا أنفسهم أصحاب مرجعية، وبدأوا فى نزول ساحة السياسة، وبدأ خريفهم.
بدأت لعبة التناقضات تفضح حسان وتكشفه، بدأ الشباب السلفى وغير السلفى يسأل: لماذا يتكلم الشيخ الذى كان يلعن السياسة فى السياسة بل ويمارسها.. لماذا يحلل الانتخابات وتشكيل الأحزاب ومشاركة المرأة بعد أن كان يحرمها؟، لماذا يصف الخروج على الحاكم الآن بأنه جهاد وواجب شرعى بعد أن كان يحرمه فى خطب شهيرة.
كانت شرارة حرق محمد حسان جاهزة، وهو من أشعلها بنفسه فى يومين مختلفين، افتضح فيه أمر حسان حينما اكتشف الجميع أنه شيخ كذاب ومتناقض، نسى الشيخ حسان أن الأرشيف لا يكذب، والأرشيف لم يعد مجرد ورقة ولا شريط كاسيت من تلك التى ساعدته فى السيطرة على إمبراطورية الميكروباصات فى مصر، بل مقاطع فيديو تثبت بالصوت والصورة أن محمد حسان ليس إلا رجلا يتلاعب بالدين والفتاوى حسب مصلحته، مجرد كذاب ودجال آخر يخطب فى الناس عن حسن الخلق والصدق بينما هو يكذب بل ويزور أحكاما دينية للحفاظ على وجوده ودعم تياره السلفى.
مقطعا فيديو، أحدهما قبل شهور من ثورة 25 يناير، والثانى يوم 19 فبراير 2011 بعد تنحى مبارك بأيام، المقارنة بينهما فضحت محمد حسان وعرته تماما وأسقطته من فوق المنبر إلى أرض الكذب والتدليس ورتبة المنافقين، فى مقطع الفيديو الأول كان محمد حسنى مبارك هو رئيس مصر وقتها، كانت المظاهرات والدعوة للتغيير تملأ شوارع مصر والناس تستجدى من الشيوخ موقفا وكلمة لنصرتهم فى وجه دولة مبارك ومؤسساتها المستمرة فى الظلم، وعلى عكس ما كان ينتظره الناس خرج الشيخ محمد حسان يمدح فى مبارك ويمجد فى كلمات مبارك وحكمته، وقال نصا: «أحيى لله الرئيس مبارك والله لله أحيى كلمات الرئيس مبارك حين قال، إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام القضية الفلسطينية كلمات رائعة من رجل حكيم يجب على الأمة أن تقدره، وأن نشد على يده، وأن نعينه ونساعده وندعمه، أنا على يقين مطلق أن هاتف من الرئيس مبارك قادر على أن يؤثر فى المنطقة، ولا ينبغى لأحد أن يزايد على موقف الرئيس مبارك ومصر من كل قضايا الأمة الإسلامية». ولم يكتف حسان وقتها بوصلة النفاق هذه، بل تمادى وأخرج من جعبته عشرات الفتاوى التى تحرم التظاهر وتشكك فى المطالبين بالتغيير وتحرم الخروج على الحاكم.
ثم تشتعل شرارة ثورة 25 يناير ومحمد حسان صامت يطلب منه شباب التيار السلفى النصيحة للمشاركة ولكنه لا يرد، كان مختبئا فى مكانه مثل الضباع فى انتظار معرفة أى جبهة ستنتصر حتى ينهش لحم الجبهة المهزومة ويقدم نفسه للجبهة المنتصرة وهو ماحدث بالفعل وتكلم محمد حسان فى شهر فبراير 2011 بعد تنحى مبارك، وقال فى مقطع فيديو بالصوت والصورة وهو يبكى من الفرحة: «إنه فرح وهو يشاهد صورة مبارك يتم إزالتها لأن الإله هو الرب والواحد ومبارك كان يؤله نفسه، لطالما صرخنا مرارا وتكرارا ولكن هيهات قل من يتعظ وقل من يعتبر وقل من يتذكر وصدق ربى إذ يقول ذلك جزيناهم ببغيهم.. من الملك الآن..».
وبدأت أوراق محمد حسان تتساقط بفعل خريف تناقضاته كلما توغل أكثر فى ساحة السياسة اكتشف الناس أكاذيبه وفضائحه، حتى أهل التيار السلفى وعلى رأسهم الدجال الآخر وجدى غنيم فضح محمد حسان حينما صور مقطع فيديو يتهم محمد حسان بالنفاق والسعى لركوب موجة الثورة، وقال، إن حسان كان يهاجم الثورة ويحرم التظاهر قبل انتصارها بأيام قليلة ثم فجأة بدأ يمجد شبابها، وينزل ميدان التحرير رغبة منه فى تحقيق المكاسب، وقال نصا: «الشيخ محمد أوقع نفسه فى مشكلة كبيرة مع شباب الثورة هاجمهم فى البداية والآن يتودد إليهم، أنا أحب الشيخ حسان ولكن الحق أحق أن يتبع. وحتى هذه اللحظة لا نعرف موقفه الواضح والنهائى من فكرة المظاهرات، لقد أخرج بيانا موجها إلى شباب الثورة وحملهم التخريب الذى حدث، ألم يكن من باب أولى أن يوجه البيان إلى الداخلية وأعوانها فى الأساس، ألم يكن من باب أولى أن يوضح للشباب لماذا تغير رأيه بعد أن كان يحرم الخروج على الحاكم ويعتبر المظاهرات حرام، وبعدين الشيخ حسان يهاجم إعلام دولة مبارك ويقول إنه كان يشوه السلفيين ألم يكن إخونا محمد حسان هو اللى بيقول عن وزير الإعلام السابق أنس الفقى بالنص «الأخ أنس الفقى» وأشاد به فى أكثر من مرة وأكثر من موقع، لقد كثرت تناقضاتك يا مولانا».
غضب السلفيين وخاصة الشباب منهم كان نارا تسرع فى حرق محمد حسان وأسطورته، ومع بداية توغل محمد حسان فى السياسة ورغبته فى لعب دور الشيخ السياسى بخطب تتحدث عن الطغيان والحاكم الظالم، فضحه تناقض جديد حينما استعاد الناس صورا ومقاطع فيديو لزيارة الشيخ حسان إلى ليبيا فى 2008 تلبية لدعوة من الرئيس معمر القذافى واستقبله القذافى فى لقاء قالت عنه وقتها وكالة الأنباء الليبية، إنه كان واحدا من ضمن المشايخ الذين أشادوا بدور القذافى فى نصرة الإسلام والمسلمين وإمامته آلاف المسلمين من مختلف أنحاء العالم فى الصلوات الجامعة بإفريقيا، وقيام الآلاف من المهتدين الجدد إلى الإسلام من مختلف أنحاء العالم، بإشهار إسلامهم على يديه.
هذه الكلمات كشفت كذب محمد حسان ونفاقه خاصة مع خطبه التى تلونت بالسياسية بعد الثورة وهاجم فيها بعض الحكام العرب مثل مبارك والقذافى وزين العابدين بن على ووصفهم بأنهم أعداء الإسلام وثارت موجة غضب من الشباب على الشيخ حسان على اعتبار أنه يخالف تعاليم الإسلام التى ترفض النفاق ورياء الحاكم.
تسارعت عملية احتراق محمد حسان وسقوطه بسبب تناقضاته وتغييره للفتاوى الناس التى كانت تسمع دروسا لمحمد حسان يحرم فيها الانتخابات وجدته يصدر فتوى بجوازها بل ويظهر على المنصات لدعم مرسى ومن قبله حازم أبو اسماعيل بل ويضع صوره على لافتات تشجع على المشاركة الانتخابية، والسلفيون الذين درسوا على يد محمد حسان عدم جواز عمل المرأة وولايتها وكراهية الإسلام للأحزاب وتأسيسها، اكتشفوا أن حسان يسعى لإرضاء الإخوان ويغير كافة آرائه بفتاوى تحلل كل الأشياء التى حرمها من قبل.
حسان الذى كان دائم التطاول على الأقباط وكان يحرم السلام عليهم، حاول أن يسترضى المجلس العسكرى وحول نفسه إلى وسيط صلح فى بعض الحوادث الطائفية وقال كلاما عن الوحدة الوطنية والأقباط عكس كل فتوى سابقة أصدرها من قبل بشكل شكك السلفيين فى الرجل وبدأوا هم بأنفسهم يسألونه عن هذا التناقض، حتى رغبة حسان فى إعادة تقديم نفسه فى إحدى الحلقات التليفزيونية بحديثه عن العلم ودوره فى نهضة الأمم كان متناقضا مع رأيه المتطرف الذى كان يملأ به عقول مريديه فى المساجد حينما قال ذات مرة فى خطبته الشهيرة عن الزلازل إنه مهما تكلم العلماء، وخبراء الأرصاد، وعلماء الجيولوجيا فإن الأمة تظل منتظرة، أن تسمع كلمة علماء الدين، لأن ما يقوله المتخصصون عن أن الزلزال هزة أرضية بسبب حدوث خلل فى بعض أجزاء القشرة الأرضية، أو بسبب البراكين، تفسير لا معنى له وأن التفسير الحقيقى هو أن الزلازل والبراكين والعواصف الثلجية إلى غير ذلك، إنما هى آيات من آيات رب البرية، إنما هى جند من جند الله يرسلها الله تخويفا للكافرين وابتلاء للمؤمنين، وعتاباً للمقصرين والمذنبين.
ومثلما كانت ثورة 25 يناير سببا فى حرق محمد حسان وكشف أكاذيبه وتناقضاته جاءت ثورة 30 يونيو لتكتب نهاية أسطورة مشايخ الميكروباص محمد حسان حينما كشفت الغطاء عن كم أكبر من الأكاذيب والتناقضات، كان على رأسها موقفه من إرهاب الإخوان وتهديدات السلفيين بحرق مصر بعد إزاحة محمد مرسى من السلطة، لأن الشيخ حسان الذى كان يخرج على الناس فى الفضائيات يطالبهم بعدم التظاهر ضد مرسى ويصف الاعتصامات التى تنظمها القوى المدنية بأنها حرام وأنها تسبب الفوضى وتشكل خطرا على مصر، ناقض نفسه تماما وتلون ولم يفعل بالمثل تجاه مظاهرات الإخوان واعتصام السلفيين والإخوان فى رابعة والنهضة، بل على العكس دعم مظاهرات السلفيين والإخوان ودعم الاعتصام وحاول أن يشوه صورة الجيش والشرطة المصرية وأن يتهمهما بممارسة العنف تجاه اعتصام سلمى، ثم مارس دوره فى التلون حينما استقر الوضع وأدرك بيقين عدم عودة مرسى وأراد أن يلعب دور الوسيط ويدعو للتهدئة ولكن خاب مسعاه، فلم يعد الرجل صاحب كلمة مسموعة أو مؤثرة فى الأوساط المختلفة، سواء كانت سلفية أو إخوانية أو حتى فى الشارع المصرى الذى ثبت له على مدار سنوات مابعد الثورة أن محمد حسان لم يكن سوى متلاعب آخر بالدين يحلل ويفتى ويحرم وفق مايخدم مصالحه هو أو مصالح تياره أو لمن يعمل فى صالحهم، حتى الكذبة الكبرى فى تاريخ محمد حسان اكتشفها الناس، الشيخ الذى أراد أن يعود من أجواء النسيان إلى عالم الشهرة والتأثير مرة أخرى بطرح مبادرة للحوار مع التكفيريين والإرهابيين فى سيناء فضحه الله بأوراق رسمية ومن حيث لا ندرى ولا نحتسب.
ظهرت الأوراق الرسمية الخاصة بالتحقيقات مع الإرهابى عادل حبارة الذى قتل عددا من جنود الجيش المصرى فى سيناء لتكشف للناس أجمعين أن حسان الذى كان يدعى ويقدم نفسه أنه رسول يريد أن يحارب التطرف ما هو إلا الأستاذ الذى زرع التطرف فى عقول الشباب المصرى وأعدهم وجهزهم لكى يكونوا إرهابيين يكفرون الدولة المصرية ويحلون دماء جنودها ورجالها.
يقول حبارة فى أوراق التحقيقات: «قبل ما التزم على طول كنت شغال فى قهوة فى شارع فيصل اسمها قهوة سكرية نافع صنايعى بوفيه، وفى يوم كنت مروح وعديت على جامع الاستقامة اللى موجود فى ميدان الجيزة وكان فيه ناس بتقعد قدام الجامع بتبيع كتب دينية وغيرها فأنا لفت انتباهى كتابين الأول عن الفتاوى، والكتاب التانى اسمه الداء والدواء لابن قيم الجوزية».
هذه الكتب مجهولة المصدر والمؤلف، فتحت باب الاهتمام أمام حبارة، فبحث عن دروس المساجد التى فتحها نظام مبارك أمام شيوخ السلفيين لحشو عقول أولادنا وأهالينا بالتطرف مادام لا يخوض الشيخ السلفى فى السياسة، بينما شيوخ التطرف صابرون يعلمون أن بذرة التطرف الملقاة فى عقول الناس ستنمو رويدا رويدا وستجد طريقها للخروج وهذا نص ما حدث مع عادل حبارة الذى يخبرنا فى اعترافاته بأن تربيته كإرهابى متطرف بدأت هناك فى المنصورة، حيث مسجد التوحيد حيث دروس محمد حسان.
يقول حبارة فى أوراق التحقيق: «فى عام 2002 سمعت عن الشيخ محمد حسان وأنه يلقى درسا كل يوم أربعاء بعد صلاة المغرب فى مجمع التوحيد اللى موجود فى المنصورة، فكنت بأذهب بصفة دورية لحضور تلك الدروس، وتعلمنا فى تلك الدروس أن الديمقراطية كفر ولا توجد أحزاب فى الإسلام، وفيه ناس اتعرفت عليها، وأنا راكب القطار ورايح الدرس لأنهم كانوا بيركبوا القطار معايا من أبوكبير وبيروحوا يحضروا الدروس بتاعة الشيخ محمد حسان وعلاقتى تطورت بهم فى فترة حضور الدروس، وقاطعتهم بعد ثورة 25 يناير لأنهم غيروا مبادئهم، وعملوا ما كانوا يستنكرون على الإخوان المسلمين عمله وراحوا دخلوا فى حزب النور على الرغم من أنهم عارفين إن الأحزاب ليست من الإسلام».
ثم يخبرنا حبارة فى أوراق التحقيقات عن المرحلة الثالثة فى صناعة الإرهابى على يد الشيخ حسان قائلا: «الدروس التى كان يلقيها الشيخ محمد حسان كانت تتناول دروساً فى السيرة النبوية الشريفة، والغضب من أن الشريعة غير مطبقة فى مصر وخلال تلك المحاضرات أهم ما تعلمته الأصول الثلاثة وهى النسك، والولاء والبراء، ومبدأ الحاكمية، والتى يجب الإيمان بها جميعاً على كل امرئ مسلم، والمقصود بمبدأ الولاء والبراء به، إيضاح من يحب المسلم ومن يبغض، وللأسف أن القائمين على الحكم فى البلاد يجب بغضهم لتعطيلهم أحكام الله، وهذا سبب من أسباب الكفر البواح الذى أجمع عليه علماء المسلمين، وكذلك يجب بغض الجيش والشرطة بل إنهم من الكفرة الطغاة المحاربين لشرع الله، والمحاربين لأولياء الله، وكذلك النصارى يجب بغضهم فهم من الكافرين وهم على نوعين من حيث معاملاتهم لقتالهم أو عدم قتالهم، أما فيما يتعلق بمبدأ الحاكمية فهو يقوم أساساً على تحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، من الظلم أن يتدخل غير الله فى ملك الله سبحانه وتعالى..وكل الأدلة التى ذكرها الشيخ حسان عن مبدأ الحاكمية تؤكد كفر من لم يحكم بشرع الله».
هكذا صنع حبارة فى مدرسة محمد حسان، تعلم الدروس النظرية عن ضرورة بغض الأقباط وقتالهم، وعن كفر الجيش والشرطة والقائمين على حكم البلاد لأنهم لا يطبقون الشريعة، ثم استكمل تعليمه لينتقل من المرحلة النظرية إلى مرحلة التنفيذ بعد دخوله السجن، وهكذا يريد حسان أن يعود مرة أخرى ليخبرنا بأنه صاحب خطاب دينى ضد التطرف، ولكن باب العودة مغلق لأن محمد حسان أحرقته لعبة السياسة ولم يعد يراه الناس إلا فى صورة متلاعب كبير بالدين فضحته سنوات الثورتين.